لينكس يوفر موارد النظام ويحافظ على الاستقرار والأمان

كنت قد كتبت في وقت سابق موضوعاً عن نشأة حركة المصادر المفتوحة، وبينت فلسفتها والمبادئ التي تنادي بها، وتعرضت من ضمن ذلك إلى ابتكار نظام لينكس كنظام مشابه ومصغر عن يونكس أعده المبرمج لينوس تورفالدز للعمل على الأجهزة الشخصية، ولن أكرر ما قلته في ذلك المقال لوجود تكامل ما بين لينكس وحركة المصادر المفتوحة، لكني سأستكمل الحديث لكن بالتركيز على الجوانب المتعلقة بنظام لينكس، وسأبين مزايا هذا النظام وبعض المفاهيم المتعلقة به.

مزايا لينكس :
من أهم المزايا التي يتميز بها لينكس الاستقرار والثبات، فهو نادر الانهيارات ندرة تقترب من العدم، وبذلك يمكن أن يبقى لأشهر في عمل متواصل وحقيقي دون أن يحتاج المستخدم لإعادة تشغيله، وحتى لو افترضنا حدوث مشكلة فإن النظام لن يتضرر منها وسيقتصر أثرها على الواجهة الرسومية فقط.

لينكس ويونيكس أقل الأنظمة عرضة للفيروسات لسبب بسيط وهو أن النظام مبني على الصلاحيات، فكل مهمة يقوم بها المستخدم تتطلب وجود صلاحيات معينة، بل أن البرامج التنفيذية التي يقوم المستخدم بتحميلها لا تأخذ صفة التنفيذ إلا بعد أن تمنح صلاحيات التنفيذ وبذلك لا يمكن تخيل أن مستخدماً يعي ما يفعل يمكن أن يعطي الفيروس الصلاحيات اللازمة لتدمير بياناته، وللعلم ظهرت عدة فيروسات ليونكس ولينكس ولكنها ماتت بعد سد الثغرات التي تستغلها وأصبحت كأنها لم تكن.

أما مخاطر الاختراق فكون النظام مفتوح المصدر يجعل أي ثغرة ظاهرة وبالتالي يتم اكتشافها بسرعة ومن ثم إجراء الترقيعات اللازمة لها، هذا علاوة على أن نواة لينكس في تطور مستمر وتظهر منها إصدارات جديدة في فترات قصيرة، ويمكن للقارئ العزيز التفضل بزيارة موقع النواة على الإنترنت: www.kernel.org ليرى بنفسه قصر الفترات التي تفصل بين كل إصدارة وأخرى.

أما الخصوصية فأمرها مفروغ منه، إذ أن كل مستخدم له خصوصيته المستقلة، بمعنى أنه لو افترضنا أن زيداً من الناس له اسم مستخدم، وعبيداً له اسم مستخدم آخر، وخالداً كذلك، فإن كل منهم له إعداداته المستقلة وملفاته التي لا يسمح لأحد منهم الوصول إليها، على العكس من بعض الأنظمة الأخرى التي تنشئ فيها لك اسماً مستخدماً ولكن كل المستخدمين يستطيعون الوصول لملفاتك والتعديل عليها أيضاً.

ولينكس أيضاً متعدد المهام، والمقصود بتعدد المهام أنه يمكن تشغيل أكثر من تطبيق في نفس الوقت دون أن يتأثر أي منها بعمل الآخر، وهنا نذكر بأن كفاءة الآداء هي المحك الرئيس، بمعنى أن أي نظام آخر يمكن أن يكون متعدد المهام، لكن ماذا عن كفاءته في تنفيذ هذه المهام، أو بتعبير أدق مدى استمراريته في تأدية هذه المهام المتعددة دون الحاجة لإعادة التشغيل، كما أن هناك ميزة تتعلق بهذا الجانب وهي سرعة تحرر موارد النظام بمجرد إغلاق التطبيق الذي يستهلكها وهذا لا يحدث مع بعض أنظمة التشغيل الأخرى، والتي تحتاج لإعادة تشغيلها عند تحرير الذاكرة.

ونظام لينكس أيضاً متعدد المستخدمين أي أنه يمكن لعدد كبير من المستخدمين عبر الشبكة المحلية أو الإنترنت أو من خلال أجهزة حواسيب أو نهايات طرفية متصلة بالنظام أن يعملوا على نظام واحد سواء أكان على تطبيق واحد أو تطبيقات مختلفة دون أن تحدث أي مشاكل لعمل أي منهم .

والذاكرة الافتراضية في لينكس عبارة عن مساحة من القرص الصلب تستخدم كبديل عن الذاكرة الحقيقية السيليكونية يتعرف عليها النظام على أنها ذاكرة حقيقية، وكلما زيدت هذه المساحة كلما زاد ذلك من كفاءة تنفيذ العمليات، وهذه من أبرز المزايا إذ أنها تتيح للمستخدم زيادة المستوى الذي يريده من الذاكرة.

تتوفر هنا العديد من مستويات الحرية المختلفة في لينكس، فمثلاً يحق لك استخدام لينكس في أي غرض، وتعديله وتطويره، وتوزيعه أو بيعه أو إهدائه، بمعنى أنك مالك وشريك بمجرد حصولك على النسخة من التوزيعة، وهذا لا يتوفر مع أي نظام آخر غير لينكس.

كما أن تعدد البرامج والتطبيقات المتشابهة في الوظيفة يعطي المستخدم حرية أكبر في اختيار البرنامج الذي يرتاح له مما توفره له التوزيعة التي يعمل منها، وكذلك بإمكانه أن يقوم بتحميل ما يشاء من البرامج الحرة عن طريق الإنترنت في الوقت الذي يشاء.

كما أن للمستخدم الحرية المطلقة في تحديد بيئة المكتب التي يرتاح إليها سواء أكانت KDE أو Gnome أو Xfce وغيرها. هذا علاوة على أنه يستطيع أيضاً تحديد التوزيعة التي تناسب قدراته من حيث المرونة والسهولة من بين توزيعات لينكس المختلفة.

من بين أهم العوامل التي أدت إلى انتشار لينكس خاصة والمصادر المفتوحة عموماً انخفاض التكلفة والتي تكون في الغالب (صفراً)، فبإمكانك أن تحصل على ما تشاء من البرمجيات والأنظمة مفتوحة المصدر دون مقابل ولا يكلفك ذلك سوى ثمن اتصال بالإنترنت وثمن قرص ليزري.

وهذه أصبحت فرصة استثمارية لبعض المنشآت التي تفكر في جدوى المصادر المفتوحة مقابل التراخيص باهظة الثمن للأنظمة التجارية والتطبيقات الخاصة بها، فوجدت أن عشر هذه التكاليف (على الأكثر) يمكن أن يستخدم في تطوير وتنمية الكوادر.

التوزيعات The Distributions:
قبل كل شيء علينا أن نعرف ما المقصود بالمصطلح "التوزيعة" وهي تعني نواة لينكس (قلب النظام) Kernel مضافاً إليها مجموعة من برامج جي إن يو GNU مثل المحررات والمفسرات والمكتبات الضرورية والبيئة Environment سواء أكانت هذه البيئة رسومية أم نصية، ومدير الملفات File Structure.

عوامل اختيار التوزيعة:
يتساءل المستخدم الجديد أي التوزيعات سأستخدم؟ وما الذي يناسبني منها؟ هنالك عوامل تحدد الإجابة على هذا السؤال، سنوجزها على النحو التالي: فهناك سهولة تنصيب التوزيعة والعمل عليها (واجهة نصية أم رسومية؟)، بيئة المكتب KDE أو Gnome أو Xfce ، اللغة الافتراضية للتوزيعة ومدى دعمها للغات الأخرى، دعم التوزيعة للأجهزة والعتاد، إدارة البرامج والحزم : هل هي RPM أو deb أو TGZ أو شيفرة مصدرية، وسائط تخزين التوزيعة وكيفية عملها: هل تعمل من القرص المدمج مباشرة LiveCD أو تعمل بالتنصيب أو من قرص DVD أم قرص مرن، البرامج والتطبيقات: فهناك من ينظر إلى حجم التوزيعة ويريدها صغيرة خفيفة تشتمل على القدر القليل من البرامج، بينما هناك فريق آخر يريد كل ما يتوفر من برامج لأنه قد يحتاج لشيء من هذه البرامج أو يريد أن يجرب ويتعلم.

هذه تقريباً أهم العوامل التي تحدد اختيار المستخدم لتوزيعته المطلوبة حتى وإن جرب أكثر من توزيعة فستجده يستقر على واحدة أو لنقل على أسلوب واحد.

أبرز التوزيعات :
ريدهات Redhat و مشروع فيدورا Fedora : بدأت ريدهات نشاطها في عام 1994م عندما أسسها رجلا الأعمال بوب شاب ومارك أوينج، حيث كان النظام يقدم مجاناً حتى الإصدارة التاسعة ثم توقف الإصدار المجاني من ريدهات بعد أن تم افتتاح مشروع توزيعة فيدورا Fedora الذي يقدم توزيعة منزلية مجانية (مفتوحة المصدر) وهي وإن كان البعض وأنا منهم يعتبرها المعمل الذي تتم فيه تجربة واختبار البرامج والحزم قبل أن تعتمد في مشروع ريدهات التجاري إلا أنها تحظى بشعبية منقطعة النظير بين أوساط المستخدمين لعدة أسباب منها : شهرتها واعتماد الكثير من الجهات التعليمية على تدريسها، والثاني سهولة تنصيبها من خلال واجهة رسومية وأيضاً سهولة تركيب برامجها، والسبب الأهم هو توفير آلية تدريب وشهادات معتمدة عالمياً كشهادة Red Hat Certified Technician تقني معتمد من ريدهات (RHCT) وشهادة Red Hat Certified Engineer مهندس معتمد من ريدهات (RHCE) وهذه الشهادات تمنحها ريدهات بعد أن يتلقى المتدرب ساعات تدريب نظرية وعمليةً وفق منهجية حددتها ريدهات مما يوفر للمتدرب فرص وظيفية ممتازة بعد الحصول على إحدى هاتين الشهادتين.

الموقع الرسمي لشركة ريدهات على الإنترنت redhat.com ومشروع فيدورا fedora.redhat.com ومن خلاله يمكن الحصول على إصدارات فيدورا المختلفة.

توزيعة دبيان Debian : يعرفها الكثيرون باسم أم التوزيعات، ليس لأن أغلب التوزيعات تعتمد شيفرتها بل لأن هناك توزيعات كثيرة تعتمد على برامجها وخوادمها المجانية التي تزخر بالبرامج، ودبيان مشروع مجتمعي بحت غير هادف للربح، يضم فرق عمل من شتى أنحاء العالم تقدر بآلاف المطورين وهذه ليست مبالغة، وقد نتج عن هذا العمل التعاوني المثمر توزيعة هي الأقوى والأكثر ثباتاً ليس من بين توزيعات لينكس فحسب بل على مستوى أنظمة التشغيل (نقولها بلا تحفظات) لأن العمل يسير فيها ببطء شديد وتدقيق وتمحيص ولا يعتمد أي برنامج أو مكتبة أو تطبيق ما لم يتم التأكد بنسبة 100% أنه خال (ليس من الثغرات الأمنية فقط) بل ومن العيوب البرمجية، لكن لكل خيار سلبياته، فلأن التحديث يسير ببطء والبرامج لا تعتمد إلا بعد أن تتم تجربتها على مدى طويل فإن البرامج التي تتضمنها توزيعة دبيان قديمة جداً والتحديث الذي تمر فيه أيضاً بطيء جداً ولعل هذا أهم الأسباب التي جعلت المستخدمين يحجمون عنها، لكني أتعجب لعدم اعتمادها كخوادم للشبكات خاصة وأنها الأقوى وبالرغم من أنها تحتوي على كل البرامج (عدد أقراصها أكثر من ثمانية)، ومن ناحية سهولة الاستخدام فقد كانت تعد دبيان من التوزيعات الصعبة لكن مع برنامج apt-get جعلها من أسهل التوزيعات حيث يتم التحديث والتركيب من خلال هذا الأمر، كما أن برنامج alien جاء ليضيف ميزة أخرى وهي تحويل حزم rpm إلى deb، وموقع مشروع دبيان على الإنترنتDebian.org .

توزيعة سلاكوير Slackware : مشروع سلاكوير هو الآخر مشروع مجتمعي، وتوزيعة سلاكوير تعد إحدى أقوى توزيعات لينكس ومن أكثرهن ثباتاً واستقراراً، كانت وما زالت تعتبر خيار المتمرسين في مجال لينكس لاعتمادها بشكل أساسي على سطر الأوامر، وهي مفيدة جداً لمن يريد أن يعمل على لينينكس حقيقة، ويمكن الحصول على نسخة منها من خلال موقعها على الإنترنت : slackware.com .

توزيعة جنتوGentoo : هذه لا يعتبرها البعض توزيعة عامة، ونحن نؤيد هذا الاتجاه، لكن أفضل وصف لها أنها توزيعة تحت الطلب، بمعنى أنها تأتي لكل جهاز حسب مواصفاته، وتعد جنتو من حيث التركيب من أكثر توزيعات لينكس صعوبة وتعقيداً وتأخذ وقتاً طويلاً يصل إلى ساعات، والسبب أنها تبنى حزمة حزمة حتى تكون وكأنها صنعت خصيصاً لهذا الحاسوب الذي ركبت عليه، التوزيعة مجانية ويمكن الحصول على نسخة منها من خلال موقعها على الإنترنت : gentoo.org

إعداد - خالد المسيهيج
almusaihij@alriyadh.com


الإبتساماتإخفاء